«العالم لن يرى مرة أخرى خمسة ملايين من الناس يبكون معا» جنازة مهيبة
«العالم لن يرى مرة أخرى خمسة ملايين من الناس يبكون معا» جنازة مهيبة
شهدها العالم العربي كما وصف الدكتور شريف حتاتة الكاتب والروائي الماركسي، لتوديع جثمان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذي تحل اليوم الذكرى الـ48 لوفاته، التي أبكت الرجال والنساء، والأطفال، مهرولين في الشوارع وهم يصرخون «ناصر لن يموت أبدا».
حالة من الصدمة عمت مصر والوطن العربي عقب الإعلان عن وفاة عبدالناصر، الزعيم الذي ظل خالدا في نفوس المصريين، فلم يكن مجرد رئيسا بل رمزا لم يتخلى عنه المصريين منذ سطوع نجمه في ثورة 23 يوليو 1952 وحتى آخر يوم قبل وفاته، وعلى الرغم من تنحيه عقب نكسة 1967 لم يقبل الشعب بذلك وهتف الحشود رافضين الاستقالة «نحن جنودك يا جمال!».
ولعلك تتسائل لماذا تمسك المصريين بعبد الناصر طيلة هذه السنوات؟ لن تنتظر كثيرا حتى تعرف الإجابة فقد جعل ناصر مصر مستقلة تمامًا عن الاستعمار والنفوذ البريطاني، وأصبحت البلاد قوة عظمى في العالم النامي تحت قيادته، كما نجح في إطلاق القومية العربية كأيدولوجية سائدة في الوطن العربي، لمساندة الدول في التخلص من الاستعمار وتحقيق الوحدة العربية.
وعلى الصعيد الداخلي، نجح الرئيس الراحل في إحداث تغيير جذري بالمجتمع المصري عقب ثورة 23 يوليو 1952، كانت أحد أركانه الأساسية إقامة العدالة الاجتماعية، فخلال فترة رئاسته، تمتع المواطنون العاديون بمزايا غير مسبوقة في السكن والتعليم وفرص العمل والخدمات الصحية والتغذية، فضلا عن العديد من أشكال الرعاية الاجتماعية، في حين تراجع نفوذ الإقطاعية وبحلول نهاية رئاسته تحسنت ظروف العمل والعمال بشكل كبير.
في عام 1962، قدم ناصر الميثاق الوطني ووضع دستورًا جديدًا، حيث دعا الميثاق للرعاية الشاملة والصحة، والإسكان بأسعار معقولة، والمدارس المهنية، بمزيد من الحقوق للمرأة وبرنامج تنظيم الأسرة، فضلا عن توسيع قناة السويس، كما أصدر قوانين جديدة تحدد الحد الأدنى لأجور العمال، وتحديد نسبة لهم من أسهم الأرباح، والتعليم المجاني والرعاية الصحية المجانية، وتخفيض عدد ساعات العمل، والتشجيع على المشاركة في الإدارة.
كما أصدر قانون الإصلاح الزراعي، الذي ينص على تحديد الملكية الزراعية للأفراد، وأخذ الأرض من كبار الملاك وتوزيعها على صغار الفلاحين المعدمين، كما كفل أمن المزارعين المستأجرين، والترويج للنمو الزراعي، فضلا عن الحد من الفقر في المناطق الريفية، حيث توسعت بالإصلاح الزراعي زراعات مثل القطن وبدأ الفلاح يجني ثمار زرعه ويعلم أبنائه ويتولى الفلاحين حكم أنفسهم وانهارت طبقة باشوات مصر ملاك الأرض الزراعية.
ونما الاقتصاد الوطني بشكل كبير من خلال الإصلاح الزراعي، ومشاريع التحديث الكبرى مثل صلب حلوان وسد أسوان، وتأميم قناة السويس، بجانب بناء السد العالي وحماية مصر من خطر الفيضانات وإستخدامة في توليد الطاقة الكهربية، وذلك بالتزامن مع تطوير المصانع المصرية وقيام الثورة الصناعية المصرية.
وشهدت مصر أيضا «العصر الذهبي» للثقافة خلال رئاسة عبد الناصر، خاصة في السينما والتلفزيون والمسرح والإذاعة، والأدب، والفنون الجميلة، والكوميديا، والشعر، والموسيقى، حيث سادت مصر الوطن العربي في هذه المجالات في عهد ناصر، منتجة العديد من الرموز والشخصيات الثقافية.
وعلى الصعيد الاجتماعي، عُرف ناصر بعلاقته الحميمة مع المصريين العاديين، على الرغم من كثرة محاولات اغتياله التي كانت لا مثيل لها بين خلفائه، فكان الرئيس الراحل خطيبا ماهرا، حيث ألقى 1359 خطبة بين سنتي 1953 و1970، وهو رقم قياسي بالنسبة لأي رئيس مصري، وبالرغم من كثرة الانتقادات التي وجهت له من قبل المثقفين في أعقاب حرب الأيام الستة وحتى وفاته في 1970، كان عامة الناس يزدادون تعاطفا معه، أثناء حياته وبعد وفاته.
التعليقات