حشد ضخم من الأتراك تجمع في إحدى ساحات العاصمة أنقرة ، وقد
حشد ضخم من الأتراك تجمع في إحدى ساحات العاصمة أنقرة، وقد
حملوا الأعلام وإلى جوارها صور الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي انتظروه منذ باكر حتى يطل عليهم بإحدى خطبه الحماسية، وربما تساءلوا عما سيتحدث هذه المرة، هل عن الأزمة السورية التي تبدو أنها تدخل مراحلها الأخيرة؟ أم عن الحرب مع الأكراد في الشرق؟ أو ربما عن الخلافات مع اليونان في بحر إيجا، لكن “الزعيم” فاجأهم جميعًا باستغاثة: “ادعموا الليرة”.
أردوغان طالب شعبه صراحة بأن يدعموا الليرة وأن يخرجوا ما لديهم “تحت الوسادة”، من دولارات ويورو وذهب وتغييرها بالعملة المحلية “الليرة” في البنوك التركية، وحتى الآن، لا يمكن الحكم بأن هذه الدعوة وجدت صداها بين الأتراك، ولكن بالتأكيد هناك أذان أخرى استمعت لها ورحبت بها، وهم جماعة الإخوان. وخسرت العملة التركية أكثر من ثلث قيمتها مقابل الدولار هذا العام، ويتم تداولها عند مستوى قياسي منخفض، كما تأخذ مسارًا انحداريا، وقد سجل اليوم سعر صرف الدولار 6.43 مقابل الليرة.
استثمارات إخوانية وقطرية وفور الخطاب الذي شهد تلك الدعوة، وكان يوم الجمعة الماضي، اجتمع عدد من قيادات الجماعة في تركيا أمس السبت، لبحث كيفية “دعم” الاقتصاد “التركي” خلال الفترة الماضية، وهو اجتماع كبير شهد حضور عدد من المسئولين الأتراك، إضافة إلى عدد من الشخصيات العربية، الذين طرحوا عدة مقترحات، منها نقل استثمارات لرجال أعمال إخوان في عدة دول إلى تركيا، بحسب مصادر.
المصادر أشارت إلى أن الحكومة القطرية لن تتخلى عن حليفها التركي، وستضخ أموالا ضخمة في هيئة استثمارات مباشرة لصالح الدوحة، إضافة إلى أموال أخرى ستدفعها بشكل غير مباشر، وذلك عبر وسطاء من الجماعة، الذين سينفذون عدة مشروعات لهم في تركيا، وهو ما يؤكد أن الجماعة باقية في ضيافة أنقرة لفترة طويلة.
الأمر لم يتوقف عند “الإخوان” الموجودين هناك، بل أيضًا بدأ عدد من القيادات الصغيرة، والمساندون للجماعة داخل مصر، في تبني حملة يحثون بها أنصارهم على تغيير مختلف العملات إلى “الليرة”، دعما للاقتصاد التركي، كما أخذوا يدعون إلى شراء المنتجات التركية، إضافة إلى مقاطعة المنتجات الأمريكية، فهي وفق تصورهم، المقصودة في خطاب “أردوغان” عندما تحدث عن الحرب الاقتصادية التي تشن على تركيا.
الاستجداء بالإسلام وفي نفس السياق، تحركت الوسائل الإعلامية التابعة للجماعة، من أجل “شحذ” الهمم لإنقاذ الاقتصاد التركي، حتى إن الإخوانى صابر مشهور، الذي كان يعمل مذيعًا سابقًا بفضائية الجزيرة، نشر مقطع فيديو على صفحته بموقع “يوتيوب”، بعنوان “ماذا يجب على المسلمين لدعم الليرة التركية؟”، والتي أكد فيها أن “أردوغان” يتعرض لمؤامرة كبيرة من الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية.
“مشهور” قال إن دعم الليرة التركية واجب ديني على كل المسلمين، مضيفًا: “إذا نجحت تركيا سنعيش كمسلمين فى أمان، أما إذا سقطت تركيا أو سقطت الليرة التركية فستغتصب زوجتك أمامك.. تركيا بلدنا ندافع فيها عن إسلامنا، وهى خط الدفاع عنا جميعًا، ولذلك يجب علينا جميعا دعمها ودعم عملتها الوطنية”.
الخوف على الحليف الأول ورجع ممدوح سعد، الخبير في شئون الحركات الإسلامية، هذه “الحماسة” الكبيرة من جانب الجماعة لأجل دعم “الليرة”، إلى حالة التخوف والفزع التي أصيب بها الإخوان بسبب هذا التحول الكبير في الأحداث، بالنسبة لهم، فـ”تركيا” هي الحليف الأول قطعا، بما تمتلكه من قدرات اقتصادية وثقل إقليمي ودولي، وبالتالي فإن خسارته أو انشغاله بأزمات محلية طاحنة يعني أن “الملاذ الأول” لم يعد مناسبًا.
سعد بين أن توقيت تصاعد الأحداث بين تركيا وأمريكا، بسبب أزمة احتجاز الأولى قسا بتهمة دعم جماعات إرهابية، مثل صدمة للكثيرين هناك، بعد ما كانت تروجه صفحات لـ”الإخوان” عن قوة الاقتصاد التركي، وذهب البعض منهم إلى القول بأن تركيا تقدم منحا و”سلفا” للبنك الدولي، ليتفاجؤون بعد ذلك بمناشدات أردوغان من أجل شراء الليرة.
ولا ينفي سعد أن تلك المشكلة قد تفتح فرصا جديدة للجماعة من أجل التوغل أكثر في الأركان الاقتصادية لـ”أنقرة”، خاصة أن الأخيرة تمر بفترة صعبة، وقد توافق بشكل غير مشروط على ضخ أي أموال إليها من الخارج لأجل الاستثمار وغيره من النشاطات، منوهًا بأنه لا يمكن الفصل بين الأزمة التركية الحالية، ودعوات المصالحة “المزعومة”، التي يطلقها البعض في الخارج حاليا.
التعليقات